الإيمان بالملائكة-من كتاب أصول الإيمان لابن عثيمين
Abu Yusuf Alexander ibn Manuil
الملائكة : عالم غيبيٌّ ، مخلوقون ، عابدون لله تعالى ، وليس لهم من خصائص الربوبية و الألوهية شيء ، خلقهم الله تعـالى من نور ، ومنحهـم الانقياد التامَّ لأمره ، والقوة على تنفيذه . قال الله تعالى : وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبـِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ
وهم عدد كثير ، لا يحصيهم إلا الله تعالى ، وقد ثبت في الصحيحين من حديث أنس t في قصة المعراج أن النبي صلى الله عليه وسلم رُفع له البيت المعمور في السماء ، يُصلِّي فيه كلَّ يوم سبعون ألف ملك ، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم
والإيمان بالملائكة يتضمن أربعة أمور
الأول : الإيمان بوجودهم
الثاني : الإيمان بمن علمنا اسمه منهم باسمه (كجبريل) ومن لم نعلم أسماءهم نؤمن بهم إجمالاً
الثالث : الإيمان بما علمنا من صفاتهم ، كصفة (جبريل) فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رآه على صفته التي خُلق عليها ، وله ستمائة جناح قد سدَّ الأفق
وقد يتحول الملك بأمـر الله تعالى إلى هيئـة رجل ، كما حصل (لجبريل) حين أرسله الله تعالى إلى مريم فتمثَّل لها بشرًا سويـًّا ، وحين جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه ، جاءه بصفة رجلٍ شديدِ بياضِ الثياب ، شديدِ سوادِ الشعر ، لا يُرى عليه أثرُ السفر ، ولا يعرفه أحد من الصحابة ، فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ، والإيمان ، و الإحسان ، والساعة ، وأماراتها ؛ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق ، ثم قال صلى الله عليه وسلم :هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم
وكذلك الملائكة الذين أرسلهم الله تعالى إلى إبراهيم، ولوط كانوا على صورة رجال
الرابع مما يتضمنه الإيمان بالملائكة : الإيمان بما علمنا من أعمالهم التي يقومون بها بأمر الله تعالى ؛ كتسبيحه ، والتعبد له ليلاً ونهارًا بدون ملل ، ولا فُتُور
وقد يكون لبعضهم أعمال خَاصَّة
مثل : جبريل الأمين على وحي الله تعالى ، يرسله الله به إلى الأنبياء و الرسل
وميكائيل : الموكل بالقطر أي بالمطر و النبات
وإسرافيل : الموكل بالنفخ في الصور عند قيام الساعة وبعث الخلق
وملك الموت : الموكل بقبض الأرواح عند الموت
ومالك : الموكل بالنار ، وهو خازن النار
والملائكة الموكلين بالأجـِنَّةِ في الأرحام ، إذا أتم الإنسان أربعة أشهر في بطن أمه بعث الله إليه ملكـًا وأمره بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقيٍّ، أو سعيد
والملائكة الموكلين بحفظ أعمال بني آدم ، وكتابتها لكل إنسان ، ملكان أحدهما عن اليمين و الثاني عن الشمال
والملائكة الموكلين بسؤال الميت إذا وضع في قبره ؛ يأتيه ملكان ، يسألانه عن ربه ، ودينه ، ونبيه
والإيمان بالملائكة ، يثمر ثمراتٍ جليلةً منها
الأولى : العلم بعظمة الله تعالى ، وقوَّته ، وسلطانه، فإن عظمة المخلوق تدل على عظمة الخالق
الثانية : شكر الله تعالى على عنايته ببني آدم ، حيث وكَّل من هؤلاء الملائكة من يقوم بحفظهم ، وكتابة أعمالهم ، وغير ذلك من مصالحهم
الثالثة : محبة الملائكة علـى ما قامـوا به من عبادة الله تعالى
وقد أنكر قوم من الزائغين كون الملائكة أجسامـًا ، وقالوا : إنهم عبارة عن قوى الخير الكامنة في المخلوقات ، وهذا تكذيب لكتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإجماع المسلمين
قال الله تعالى :الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَواتِ وَالأرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثـُلاثَ وَرُبَاعَ
وقال تعالى :وَلَوْ تَرَى إِذ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ
وقال تعالى : وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ
وقال تعالى : حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَن قُلُوبـِهِمْ قَالُوا مَاذا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبـِيرُ
وقال في أهل الجنة : وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بـِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة t عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا أحب الله العبد نادى جبريل : إن الله يحبُ فلانـًا فأحببه ؛ فيحبّه جبريل ، فينادي جبريل في أهل السماء : إنَّ الله يحب فلاناً فأحبُّوه؛ فيحبه أهل السماء ، ثم يوضع له القبول في الأرض
وفيه أيضـًا عن أبي هريرة t قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد الملائكة يكتبون الأول فالأول ، فإذا جلس الإمام ؛ طووا الصحف ، وجاءوا يستمعون الذكر
وهذه النصوص صريحة في أن الملائكة أجسام لا قوى معنوية ، كما قال الزائغون ، وعلى مقتضى هذه النصوص أجمع المسلمون
Comments
بارك الله فيك
و فيك بارك الله أخي العزيز
V