الإيمان بالله تعالى التخريج الأول-من كتاب أصول الإيمان لشيخ عثيمين

Day 2,353, 13:27 Published in Egypt Russia by Abu Yusuf Alexander ibn Manuil

الإيمان بالله يتضمن أربعة أمور

الأول: الإيمان بوجود الله تعالى

وقد دل على وجوده تعالى: الفطرة، والعقل، والشرع، والحس

أما دلالة الفطرة على وجوده: فإن كل مخلوق قد فطر على الإيمان بخالقه من غير سبق تفكير أو تعليم، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من طرأ على قلبه ما يصرفه عنها، قال النبي (صلى الله عليه وسلم)(ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) رواه البخاري

وأما دلالة العقل على وجود الله تعالى: فلأن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لابد لها من خالق أوجدها إذ لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها، ولا يمكن أن توجد صدفة

لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها لأن الشيء لا يخلق نفسه، قبل وجوده معدوم فكيف يكون خالقا

ولا يمكن أن توجد صدفة لأن كل حادث لابد له من محدث، ولأن وجودها على هذا النظام البديع، والتناسق المتآلف، والارتباط الملتحم بين الأسباب ومسبباتها، وبين الكائنات بعضها مع بعض يمنع منعا باتا أن يكون وجودها صدفة، إذ الموجود صدفة ليس على نظام في أصل وجوده فكيف يكون منتظما حال بقائه وتطوره

وإذا لم يمكن أن توجد هذه المخلوقات نفسها بنفسها ولم توجد صدفة، تعين أن يكون لها موجد وهو الله رب العالمين. وقد ذكر الله تعالى هذا الدليل العقلي والبرهان القطعي في سورة الطور، حيث قال: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ). يعني أنهم لم يخلقوا من غير خالق، ولا هم الذين خلقوا أنفسهم، فتعين أن يكون خالقهم هو الله تبارك وتعالى، ولهذا لما سمع جبير بن مطعم- رضي الله عنه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقرأ سورة الطور فبلغ هذه الآيات: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ*أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ*أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ
وكان- جبير- يومئذ مشركا قال: (كاد قلبي أن يطير، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي) رواه- البخاري- مفرقا

ولنضرب مثلا يوضح ذلك، فإنه لو حدثك شخص عن قصر مشيد، أحاطت به الحدائق، وجرت بينها الأنهار، وملئ بالفرش والأسرة، وزين بأنواع الزينة من مقوماته ومكملاته، وقال لك: إن هذا القصر وما فيه من كمال قد أوجد نفسه، أو وجد هكذا صدفة بدون موجد، لبادرت إلى إنكار ذلك وتكذيبه، وعددت حديثة سفها من القول

أفيجوز بعد ذلك أن يكون هذا الكون الواسع بأرضه، وسمائه، وأفلاكه، وأحواله، ونظامه البديع الباهر، قد أوجد نفسه أو وجد صدفة بدون موجد

وأما دلالة الشرع على وجود الله تعالى: فلأن الكتب السماوية كلها تنطق بذلك، وما جاءت به من الأحكام المتضمنة لمصالح الخلق دليل على أنها من رب حكيم عليم بمصالح خلقه، وما جاءت به من الأخبار الكونية التي شهد الواقع بصدقها دليل على أنها من رب قادر على إيجاد ما أخبر به

وأما أدلة الحس على وجود الله تعالى فمن وجهين: أحدهما: أننا نسمع ونشاهد من إجابة الداعين، وغوث المكروبين، ما يدل دلالة قاطعة على وجوده تعالى، قال الله تعالى:وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ
. وقال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ ) وفي صحيح البخاري عن- أنس بن مالك- رضي الله عنه قال: أن أعرابيا دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال يا رسول الله هلك المال وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه ودعا فثار السحاب أمثال الجبال فلم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته. وفي الجمعة الثانية قام ذلك الأعرابي أو غيره فقال: "يا رسول الله "، تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت

وما زالت إجابة الداعين أمرا مشهودا إلى يومنا هذا لمن صدق اللجوء إلى الله تعالى وأتى بشرائط الإجابة

الوجه الثاني: أن (آيات الأنبياء) التي تسمى (المعجزات) ويشاهدها الناس، أو يسمعون بها، برهان قاطع على وجود مرسلهم، وهو الله تعالى، لأنها أمور خارجة عن نطاق البشر، يجريها الله تعالى تأييدا لرسله ونصرا لهم

مثال ذلك آية موسى (صلى الله عليه وسلم) حين أمره الله تعالى أن يضرب بعصاه البحر، فضربه فانفلق اثني عشر طريقا يابسا، والماء بينهما كالجبال، قال الله تعالى: (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ)

ومثال ثان: آية عيسى صلى الله عليه وسلم حيث كان يحيي الموتى، ويخرجهم من قبورهم بإذن الله، قال الله تعالى عنه:وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ

ومثال ثالث (لمحمد صلى الله عليه وسلم) حين طلبت منه قريش آية، فأشار إلى القمر فانفلق فرقتين فرآه الناس، وفي ذلك يقول الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ*وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ

فبهذه الآيات المحسوسة التي يجريها الله تعالى تأييدا لرسله، ونصرا لهم، تدل دلالة قطعية على وجوده تعالى